الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
تنورتها من أذرعات وأهله *** بيثرب أدنى دارها نظر غال وقال الشارح: يروى بكسر التاء بلا تنوين، وبعضهم يفتح التاء في مثله مع حذف التنوين، ويروى من أذرعات كسائر مالا ينصرف. فعلى هذين الوجهين التنوين للصرف بلا خلاف. والأشهر بقاء التنوين في مثله مع العلمية. أقول: أراد بها الكلام تقرير ما ذهب إليه تبعاً للربعي والزمخشري - وإن خالفها في الدليل - من أن تنوين جمع المؤنث السالم تنوين صرف لا تنوين مقابلة، فإن حذف التنوين في بعض اللغات مما سمي بهذا الجمع، دليل على أن تنوينه قبل التسمية تنوين صرف. فاستند أولاً إلى تجويز المبرد والزجاج حذف التنوين منه مع العلمية، وثانياً إلى رواية منع الصرف فيه مع العلمية بوجهين: سماعي وقياسي، فالأول نقله ابن جني في سر الصناعة عن بعض العرب فقال: واعلم أن من العرب من يشبه التاء في مسلمات - معرفة - بتاء التأنيث في طلحة وحمزة، ويشبه الألف التي قبلها بالفتحة التي قيل هاء التأنيث، فيمنعها حينئذ الصرف فيقول: هذه مسلمات مقبلة. وعلى هذا بيت امرئ القيس: تنورتها من أذرعات ، وقد أنشدوه من أذرعات بالتنوين. وقال الأعشى: الوافر تخيرها أخو عانات شهر *** ورجى خيرها عاماً فعاما وعلى هذا ما حكاه س من قولهم: هذه قرشيات غير منصرفة. انتهى. والثاني أن بعضهم - أي بعض النحاة - يفتح التاء في مثله، أي في مثل أذرعات مما سمي بجمع مؤنث سالم، مع حذف التنوين، أي: يفتح التاء ويحذف التنوين منه، ويروي ذلك البعض من أذرعات بفتح التاء قياساً على سائر مالا ينصرف. فعلى هذين الوجهين أي حذف التنوين مع كسر التاء وحذف التنوين مع فتح التاء التنوين للصرف أي: التنوين الذي كان قبل التسمية. فإن النحاة اتفقوا على أن التنوين الذي يحذف فيما لا ينصرف إنما هو تنوين الصرف. وأذرعات قال ياقوت في معجم البلدان: وهي بلد في أطراف الشام يجاور البلقاء وعمان، وينسب إليه الخمر. وقد ذكرتها العرب في أشعارها لأنها لم تزل من بلادها. والنسبة إليه أذرعي. ويثرب زاد الصاغاني: وأثرب. اسم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ياقوت - نقلاً عن الزجاجي -: سميت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق يثرب بن عوص بن إرم بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم، فلم نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها طيبة طابة، كراهية للتثريب. وسميت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لنزوله بها. ثم اختلفوا فقيل: إن يثرب اسم للناحية التي منها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: بل يثرب ناحية من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل هي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله ثلاثاً إنما هي طيبة . وقال في المصباح: ثرب عليه من باب ضرب: عتب ولام، وبالمضارع بياء الغائب سمي رجل من العمالقة، وهو الذي بنى المدينة سميت باسمه، قال السهيلي. وأما يترب بالمثناة الفوقية بدل المثلثة، فقال ياقوت: هي بفتح الراء قيل: قرية باليمامة عند جبل وشم. وقيل اسم موضع في بلاد بني سعد. وقال الحسن بن أحمد الهمداني اليمني: هي مدينة بحضرموت نزلها كندة. وإياها عنى الأعشى بقوله: بسهام يترب وسهام الوادي ويقال: إن عرقوباً صاحب المواعيد كان بها. ثم قال: والصحيح أنه من قدماء يثرب. وأما قول ابن عبيد الأشجعي: وعدت وكان الخلف منك سجية *** مواعيد عرقوب أخاه بيترب فهكذا أجمعوا على روايته بالتاء المثناة؛ قال ابن الكلبي: وكان من حديثه أنه كان رجلاً من العماليق يقال له عرقوب، فأتاه أخ له يسأله شيئاً، فقال له عرقوب: إذا أطلعت النخلة فلك طلعها. فلما أتاه للعدة قال: دعها تصير بلحاً. فلما أبلحت قال: دعها تصير زهواً؛ ثم حتى تصير بسراً؛ ثم حتى تصير رطباً؛ ثم تمراً. فلما أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجدها ولم يعطه شيئاً، فصار مثلاً في الخلف . والتنور قال المبرد في الكامل: المتنور الذي يلتمس ما يلوح له من النار. ورد عليه أبو الوليد الوقشي - في شرحه عليه - بأن المتنور إنما هو الناظر إلى النار من بعد، أراد قصدها أم لم يرد، كما قال امرؤ القيس: تنورتها من أذرعات ، ولم يرد أن يأتيها، كما لم يرد القائل: وأشرف بالقور اليفاع لعلني *** أرى نار ليلى ويراني بصيرها والنظر إلى نارها إنما هو بنظر قلبه، تشوقاً إليها. كما قال ابن قتيبة في أبيات المعاني: هذا تحزن وتظنن منه، ليس أن رأى بعينه شيئاً إنما أراد رؤية القلب. ومثله قول الآخر: أليس بصيراً من رأى وهو قاعد *** بمكة أهل الشام يختبزونا وقال الأعشى: الوافر أريت القوم نارك لم أغمض *** بواقصة ومشربنا زرود فلم أر موقداً منها ولكن *** لأية نظرة زهر الوقود وجوز أرباب البديع في الإغراق من المبالغة أن يكون نظراً بالعين حقيقة. قالوا: لا يمتنع عقلاً أن يرى من أذرعات من الشام نار أحبته، وكانت بيثرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم على بعد هذه المسافة، على تقدير استواء الأرض وأن لا يكون ثم حائل من جبل وغيره، مع عظم جرم النار، وإن كان ذلك ممتنعاً عادة. وجملة تنورتها استئنافية، وأدنى دارها مبتد ونظر عالي خبره بتقدير مضاف. قال أبو علي في الإيضاح الشعري: ولا يجوز أن يكون نظر خبر أدنى لأنه ليس به، لأن أدنى أفعل تفضيل، وأفعل لا يضاف إلا إلى ما هو بعض له، فوجب أن يكون بعض الدار، وبعض الدار لا يكون النظر فإما أن يحذف المضاف من النظر، أي: أدنى دارها ذو نظر، وإما أن يحذف من الأول، أي: نظر أدنى دارها نظر عالي، ليكون الثاني الأول، في المصباح: علا علواً، من باب قعد: ارتفع، فهو عال. يريد أن أقرب مكان من دارها بعيد. فكيف بها ودونها نظر عال! والجملتان الاسميتان حال من ضمير المؤنث في تنورتها، وجاءت الثانية بلا واو كقوله: السريع والله يبقيك لنا سالم *** برداك تعظيم وتبجيل وهذا البيت من قصيدة طويلة لامرئ القيس عدتها ستة وخمسون بيتاً، وهي من عيون شعره، وأكثرها وقعت شواهد في كتب المؤلفين: هنا، وفي مغني اللبيب، وفي كتب النحو والمعاني. فينبغي شرحها - تتميماً للفائدة - وإن شرحت هنا بأجمعها طال الكلام. فلنوزعها مع الأبيات التي ذكرت منها هذا الكتاب متفرقة، فنذكر هنا من أول القصيدة إلى البيت الذي شرحناه: ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي *** وهل يعمن من كان في العصر الخالي وهل يعمن إلا سعيد مخلد *** قليل الهموم ما يبيت بأوجال قوله عم صباحاً هذه الكلمة تحية عند العرب، يقال: عم صباحاً وعم مساء وعم ظلاماً. والصباح من نصف الليل الثاني إلى الزوال، والمساء من الزوال إلى نصف الليل الأول. قال ابن السيد في شرح شواهد أدب الكاتب: يقال: وعم يعم، كوعد يعد، وومق يمق. وذهب قوم إلى أن يعم محذوف من ينعم، وأجازوا عم صباحاً بفتح العين وكسرها، كما يقال أنعم صباحاً وأنعم. زعموا أن بعض العرب أنشد: ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي بفتح العين. وحكى يونس أن أبا عمرو بن العلاء سئل عن قول عنترة: الكامل وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي فقال: هو من نعم المطر إذا كثر، ونعم البحر إذا كثر زبده، كأنه يدعو لها بالسقيا وكثرة الخير. وقال الأصمعي والفراء: إنما هو دعاء بالنعيم والأهل وهو المعروف، وما حكاه يونس نادر غريب. ولم يذكر صاحب الصحاح مادة وعم قال: وقولهم عم صباحاً كأنه محذوف من نعم ينعم بالكسر . وزعم ابن مالك في التسهيل أن عم فعل أمر غير متصرف. قال أبو حيان: ليس الأمر كما زعم، بل هو فعل متصرف، وقد حكى يونس وعمت الدار أعم، أي: قلت لها انعمي. قال الأصمعي: عم في كلام العرب أكثر من انعم. وقد روى ألا انعم صباحاً الخ . ونعم الشيء نعومة صار ناعماً ليناً، من باب كرم وحذر وحسب. ويقال انعم صباحك أيضاً، من النعومة. وصباحاً ظرف وتمييز محول عن الفاعل. والطلل: ما شخص من آثار الدار. والرسم: مطلق الأثر. والبالي: من بلي الثوب من باب تعب، بلى بالكسر والقصر وبلاء بالفتح والمد: خلق. ومن بلي الميت: أفنته الأرض. وقوله وهل يعمن هو استفهام إنكاري، استشهد به ابن هشام في شرح الألفية على أن من يستعمل في غير العقلاء. وقال العسكري في كتاب التصحيف اختلفوا في معناه لا في لفظه، فقال الأصمعي: اللفظ على مذهب أنت يا طلل قد تفرق أهلك وذهبوا، فكيف تنعم بعدهم؟! والمعنى كيف أنعم أنا؟ فكأنه يعني أهل الطلل. والعصر - بضمتين -: لغة في العصر وهو الدهر. والخالي: الماضي، قال تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}. وقوله وهل يعمن إلا سعيد الخ قال العسكري: المخلد: الطويل العمر الرخي البال، ومخلد إذا لم يشب. وقيل المخلد المقرط، والقرط الخلدة. ورواه بعضهم: وهل ينعمن إلا خلي مخلد وقال: يعني غلاماً حدثاً خلياً من العشق. والأوجال: جمع وجل، وهو الخوف، وفعله من باب تعب. وهل يعمن من كان أحدث عهده *** ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال قال العسكري - نقلاً عن الأصمعي وابن السكيت - يقول: كيف ينعم من كان أقرب عهده بالرفاهية ثلاثين شهراً من ثلاثة أحوال، على أن في بمعنى من . ثم قالا: وقد تكون بمعنى مع ، قال ابن السيد: وكونها بمعنى مع أشبه من كونها بمعنى من. ورواه الطوسي: وثلاثة أحوال . وكل من فسره ذهب إلى أن الأحوال هنا السنون جمع حول. والقول فيه عندي أن الأحوال هنا جمع حال لا جمع حول، وإنما أراد كيف ينعم من كان أقرب عهده بالنعيم ثلاثين شهراً وقد تعاقبت عليه ثلاثة أحوال، وهي اختلاف الرياح عليه، وملازمة الأمطار له، والقدم المغير لرسومه. فتكون في هنا هي التي تقع بمعنى واو الحال في نحو قولك: مرت عليه ثلاثة أشهر في نعيم. أي: وهذه حاله . ديار لسلمى عافيات بذي الخال *** ألح عليها كل أسحم هطال عافيات: من عفا المنزل يعفو عفواً وعفواً وعفاء بالفتح والمد: درس. وذو الخال قال ابن الأثيرفي المرصع: جبل مما يلي نجداً، وقيل موضع، وأنشد هذا البيت. ولم يذكره ياقوت في معجم البلدان . والأسحم: الأسود، أراد به السحاب كثرة مائه. وهذا البيت مصرع. وديار مبتدأ، ولسلمى وصفه، وعافيات خبره، وبذي الخال حال من ضمير عافيات، وجملة ألح خبر بعد خبر. وتحسب سلمى لا تزال كعهدن *** بوادي الخزامى وعلى رأس أوعال العهد: الحال والعلم، يقال هو قريب العهد بكذا، أي: قريب العلم والحال. والخزامى - بالضم والقصر - خيري البر. ووادي الخزامى ورأس أوعال: موضعان. ويروى ذات أوعال قال ابن الأثير في المرصع: هي هضبة فيها بئر، وقيل هي جبل بين علمين في نجد، والأوعال: جمع وعل. وأنشد هذا البيت. أي: إن سلمى تظن أنها تبقى على الحالة التي كنا عليها في ذينك المكانين. وتحسب سلمى لا تزال ترى طل *** من الوحش وبيضاً بميثاء محلال سملى فاعل تحسب، والمفعول الأول من ترى محذوف أي: نفسها، جملة ترى خبر لا تزال - وهذا الإعراب جار في السابق على هذا الترتيب - والرؤية علمية. وطلا مفعولها الثاني، والطلا - بالفتح -: ولد الظبية. ومن الوحش صفة طلا، وبيضا معطوف على طلا، أراد بيض النعام في البياض والملاسة والنعومة. والميثاء - قال في العباب -: هو بالفتح الأرض السهلة . وأنشد هذا البيت، وقال العسكري في التصحيف هو بفتح الميم طريق للماء عظيم مرتفع من الوادي، فإذ كان صغيراً فهي شعبة، وهو نحو من ثلث الوادي وأقل، فإذا كان أكثر من ذلك فهو تلعة، فإذا كان مثل نصف الوادي وثلثيه فهو ميثاء. والميث: ما لان وسهل من الأرض، وروي الميثاء بالكسر، وهي الأرض اللينة، وروي الميتاء بالكسر وبالتاء المثناة فوق، وهو الطريق المأتي، أي: المسلوك. والمحلال بالكسر، من حللت إذا نزلت به، قال الصاغاني: وأرض محلال إذا أكثر القوم النزول فيها، وكذلك روضة محلال، وأنشد هذا البيت. وقال العيني: أي: تحسبها ظبية لا تزال تنظر إلى ولدها، وتحسبها بيض نعام، وقال بعض شراح القصيدة: أي: بالبادية حيث يكون بيض النعام وولد الوحش. وهذا لا يخفى ما فيه. ليالي سلمى إذ تريك منصب *** وجيداً كجيد الريم ليس بمعطال ليالي منصوب بتقدير اذكره ونحوه، وإذ بدل من ليالي. ومنصباً ، قال العسكري: من رواه بالنون أراد ثغرها، والمنصب: المستوي من الأرض المتسق. ومن روى مقصباً بالقاف، أراد شعرها، قصبته: جعلته ذوائب، وشعر مقصب أي: قصابة قصابة . وقال الأصمعي: قصبة قصبة. وقال غيره: قصيبة وقصائب انتهى. وفي الصحاح: الذوائب المقصية تلوى لياً حتى تترجل، ولا تضفر، واحدتها قصيبة وقصابة بالضم والتشديد. والمعطال: المرأة التي خلا جيدها من القلائد، والفعل من باب قتل، وعطلاً بالتحريك وعطولاً بالضم. ألا زعمت بسباسة اليوم أنني *** كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي بسباسة: امرأة من بني أسد. وكبر: شاخ، يقال كبر الصبي وغيره، من باب تعب، مكبرا كمسجد، وكبراً كعنب. وشهده بالكسر يشهده بالفتح شهوداً: حضره. واللهو: مصدر لهوت بالشيء، إذا لعبت به. قال في الصحاح: وقد يكنى باللهو عن الجماع. وقوله تعالى: {لو أردنا أن نتخذ لهواً}، قالوا: امرأة، ويقال ولداً . بلى رب يوم قد لهوت وليلة *** بآنسة كأنها خط تمثال بلى: حرف إيجاب يختص بالنفي ويفيد إثباته، وأثبت به هنا الشهود المنفي في البيت السابق. ورواه ابن هشام في مغني اللبيب: فيا رب يوم إلخ . وأورده شاهداً على ورود رب للتكثير. وجملة قد لهوت صفة يوم، والعائد محذوف أي فيه، وصفة ليلة مع العائد محذوف، أي: لهوت فيها، ولا يجوز أن يكون الوصف لهما. والآنسة: المرأة التي تأنس بحديثك. والخط: الكتابة، قال في العباب: يقال خطه فلان كما يقال كتبه. وأنشد هذا البيت. وقال في مادة مثل: والتمثال الصورة ، والجمع التماثيل. وقوله تعالى: {ما هذه التماثيل}، أي الأصنام. وقوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل} وهي صور الأنبياء عليهم السلام، وكان التصوير مباحاً في ذلك الوقت. يضيء الفراش وجهها لضجيعه *** كمصباح زيت في قناديل ذبال الفراش: مفعول مقدم وجهها الفاعل. والمصباح: السراج. والذبال - بضم الذال وتشديد الموحدة -: جمع ذبالة وهي الفتيلة، لغة في الذبال بتخفيف الباء. ويروى: في قناديل آبال: جمع آبيل، كشريف وأشراف، وهو الراهب، قال عدي بن زيد العبادي: الرمل إنني والله فاقبل حلفتي *** بأبيل كلما صلى جأر وفي ، بمعنى مع . كأن على لباتها جمر مصطل *** أصاب غضى جزلاً وكف بأجذال وهبت له ريح بمختلف الصوى *** صبا وشمالاً في منازل قفال اللبة: المنحر، وموضع القلادة من الصدر، والمراد هنا هو الثاني. والمصطلى اسم فاعل من اصطلى بالنار. وصلى بها وصليها من باب تعب: وجد حرها، وجملة أصاب غضى صفة لمصطل. والغضى: شجر خشبة من أصلب الخشب، ولهذا يكون في فحمه صلابة. وأصاب: وجد. والجزل: الغليظ، وجزل الحطب بالضم إذا عظم وغلظ، فهو جزل. وكف بالبناء للمفعول، من كففت الثوب، أي: خطت حاشيته، وهي الخياطة الثانية. أراد: جعل حول الجمر أجزال، وهي أصول الحطب العظام، جمع جذل بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة. والمختلف - بفتح اللام -: موضع الاختلاف أي: التردد، وهو أن تذهب ريح وتجيء ريح. والصوى: جمع صوة، كقوى جمع قوة، والصوة قال في الصحاح: هي مختلف الريح؛ وأنشد هذا البيت. والصوة أيضاً: حجر يكون علامة في الطريق، وليس بمراد هنا، خلافاً لبعضهم. والقفال: جمع قافل كعباد وعابد، والقافل: الراجع من سفره، وفعله من باب قعد، ويكون القفول في المبتدئ للسفر تفاؤلاً بالرجوع. بالغ في سخونة هذه المرأة في الشتاء حيث وصف الحلي الذي على لباتها بما ذكر في البيتين، وهذا مدح في النساء، كما إذا بردت في الصيف. قال الأعشى: المتقارب وتسخن ليلة لا يستطيع *** نباحاً بها الكلب إلا هريرا وتبرد برد رداء العرو *** س بالصيف رقرقت فيه العبيرا كذبت لقد أصبي على المرء عرسه *** وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي صرح بتكذيب بسباسة، حيث زعمت أنه لا يلهو بالنساء فقال: إني أشوق النساء إلي مع وجود أزواجهن، ولا أدع أحداً يتهم بامرأتي، لأنها لا تميل إلى أحد مع وجودي، لأني محبب عند النساء. وأصبي: مضارع أصبيت المرأة، بمعنى شوقتها وجعلتها ذات صبوة وهي الشوق. والعرس - بالكسر -: الزوجة. ويزن: يتهم، بالبناء للمفعول؛ يقال أزننته بشيء: اتهمته به، وهو يزن بكذا، وأزنه بالأمر إذا اتهمه به. والخالي قال في الصحاح: قال الأصمعي: هو من الرجال: الذي لا زوجة له . وأنشد هذا البيت. ومثلك بيضاء العوارض طفلة *** لعوب تنسيني إذا قمت سربالي الواو واو رب. وهو خطاب لبسباسة. في القوموس: العارض والعارضة: صفحة الخد، وصفحتا العنق، وجانبا الوجه: والعارضة أيضاً: ما يستقبلك من الشيء، ومن الوجه: ما يبدو عند الضحك. والطفلة - بفتح الطاء -: الناعمة البدن، والطفل: الناعم. واللعوب: الحسنة الدل. والنسيان: خلاف الذكر. وأنسانيه الله ونسانيه تنسية بمعنى. ورواه الجوهري عن أبي عبيدة: لعوب تناساني إذ قمت سربالي . قال: ومعناه تنسيني. والسربال: القميص. لطيفة طي الكشح غير مفاضة *** إذا انفتلت مرتجة غير متفال لطف لطفاً ولطافة ككرم: صغر ودق، وهو لطيف. والكشح بالفتح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف. وطي الكشح هنا: جدلها وفتلها، يريد أنها مجدولة الكشح جدلاً لطيفاً، فإن هيف الكشح والخصر ممدوح. والمفاضة من النساء: الضخمة البطن، وهذا ذم فيهن، ومن الدروع: الواسعة، وهما من الفيض. وانفتلت: انصرفت. ومرتجة من الارتجاج، وهو التحرك والاضطراب، أراد عظم كفلها، وهي خبر تكون محذوفة. والمتفال بالكسر: من تفل بالمثناة الفوقية والفاء، قال في العباب: التفل بالتحريك: مصدر قولك تفل الرجل بالكسر، إذا ترك للطيب، فهو تفل، وامرأة تفلة. وفي الحديث: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات ، أي: تاركات للطيب. وامرأة متفال، إذا كانت كذلك، وأتفله غيره، ومنه حديث علي رضي الله عنه لرجل رآه نائماً في الشمس: قم عنها فإنها تتفل الريح، وتبلي الثوب، وتظهر الداء الدفين . وصفها بثلاثة أمور: بهضم الخصر، وضخامة الكفل، والطيب. إذ ما الضجيع ابتزها من ثيابه *** تميل عليه هونة غير معطال ابتزه: نزع بزها أي: ثيابها، وأراد مطلق النزع والسلب. والهونة بالفتح والضم: المتئدة. والهون: السكينة والوقار. والمعطال تقدم تفسيره. ويروى مجبال قال الأصمعي: معناه هي الغليظة. كدعص النقا يمشي الوليدان فوقه *** بما احتسبا من لين مس وتسهال الدعص بالكسر: قطعة من الرمل مستديرة. والنق: الكثيب من الرمل. أراد تشبيه عجزها بالدعص لعظمه، حتى أن ولدين يمكنهما أن يلعبا فوقه من غير ضرر عليهما، للينه وسهولته. والوليدان: الصبيان.و احتسب: اكتفى. والتسهال: السهولة. إذا ما استحمت كان فيض حميمه *** على متنتيها كالجمان لدى الحال استحمت: اغتسلت بالحميم، وهو الماء الحار. ومتنتا الظهر: مكتنفا الصلب عن يمين وشمال من عصب ولحم، والمفرد متن ومتنة. والجمان بالضم: اللؤلؤ. والحال: وسط الظهر، ومن الفرس: موضع اللبد. أراد أن الماء الذي ينفصل من ظهرها عند الاغتسال يشبه اللؤلؤ المتناثر. تنورتها من أذرعات.......... البيت الضمير راجع إلى بسباسة. وقد شرح البيت. نظرت إليها والنجوم كأنه *** مصابيح رهبان تشب لقفال ضمير إليها راجع إلى النار المفهوم من تنورتها ، وجملة والنجوم إلخ حال من الفاعل، وجملة تشب حال من ضمير النار. قال ابن رشيق في العمدة: ومن أبيات المبالغة قول امرئ القيس يصف ناراً، وإن كان فيه إغراق: نظرت إليها والنجوم، البيت؛ يقول: نظرت إلى نار هذه المرأة تشب لقفال، والنجوم كأنها مصابيح رهبان. وقد قال تنورتها من أذرعات البيت، وبين المكانين بعد أيام، وإنما يرجع القفال من الغزو والغارات وجه الصباح، فإذا رآها من مسيرة أيام، وجه الصباح، وقد خمد سناها وكل موقدها، فكيف كانت أول الليل؟! وشبه النجوم بمصابيح الرهبان؛ لأنها في السحر يضعف نورها كما يضعف نورالمصابيح الموقدة ليلها أجمع، لا سيما مصابيح الرهبان، لأنهم يكلون من سهر الليل، فربما نعسوا في ذلك الوقت . وقال بعضهم: ومن التشبيه الصادق هذا البيت، فإنه شبه النجوم بمصابيح رهبان لفرط ضيائها، وتعهد الرهبان لمصابيحهم وقيامهم عليها لتزهر إلى الصبح، فكذلك النجوم زاهرة طول الليل وتتضاءل إلى الصبح كتضاؤل المصابيح له. وقال تشب لقفال لأن أحياء العرب بالبادية إذ قفلت إلى مواضعها التي تأوي إليها من مصيف إلى مشتى إلى مربع، أوقدت لها نيران على قدر كثرة منازلها وقلتها، ليهتدوا بها. فشبه النجوم ومواقعها من السماء بتفرق تلك النيران واجتماعها من مكان بعد مكان، على حسب منازل القفال بالنيران الموقدة لهم. وقد طال الكلام هنا ولم يمكننا أن نترجم امرأ القيس. ونترجمه إن شاء الله في الشاهد الثاني من شواهد شعره. وأنشد بعده وفي آخر الشرح، في التنوين، وهو أقلي اللوم عاذل والعتابن *** وقولي إن أصبت لقد أصابن على أن تنوين الترنم يلحق الفعل والمعرف باللام - وقد اجتمعا في هذا البيت - والفعل سواء كان ماضياً كما ذكر ومضارعاً، كقوله: داينت أروى والديون تقضين وقد لحقت المضمر أيضاً كقوله: يا أبتا علك وعساكن قال الشارح: ولم يسمع دخولها على الحرف، ولا يمتنع ذلك في القياس. أقول: قد سمع في الحرف أيضاً كما مثل له شراح الألفية بقول النابغة: أفد الترحل غير أن ركابن *** لما تزل برحالنا وكأن قدن ولحاق هذا التنوين لما ذكر إنما هو عند بني تميم، كما قال الشارح، وعند قيس أيضاً كما قاله ابن جني في سر الصناعة . وأقلي فعل أمر مسند إلى ضمير العاذلة، يقال أقللته وقللته بمعنى جعلته قليلاً، بتعدية قل بالهمزة والتضعيف. وهذا المعنى ليس بمراد، بل المقصود اتركي اللوم؛ فإن القلة يعبر بها عن العدم كما هو مستفيض. واللوم مفعول أقلي، وهو مصدر لام يلوم، ومعناه العذل، والتوبيخ. وعاذل منادى محذوف منه حرف النداء، ومرخم عاذلة، من عذل يعذل من بابي ضرب وقتل، بمعنى لام. والعتاب معطوف على اللوم، مصدر عاتب معاتبة وعتاباً. قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة أي: الغضب. وهذا ليس بمقصود إذ هو بهذا المعنى لا يكون إلا بين متحابين، وإنما المراد مصدر عتب عليه عتباً من بابي ضرب وقتل، بمعنى لامه في تسخط. وقوله قولي فعل أمر أيضاً معطوف على أقلي . وقوله لقد أصابن مقول القول، وجملة إن أصبت معترضة بينهما، وجواب الشرط محذوف وجوباً يفسره جملة القول. وهذا البيت مطلع قصيدة طويلة عدد أبياتها مائة وتسعة، لجرير يهجو عبيد الراعي النميري، والفرزدق. وسبب هجوه إياهما على ما حكى في شرح المناقضات، أن عرادة النميري كان نديماً للفرزدق، فقدم الراعي البصرة فقدم عرادة طعاماً وشراباً، فدعا الراعي، فلما أخذت الكأس منهما قال عرادة للراعي: يا أبا جندل، قل شعراً تفضل الفرزدق على جرير. فلم يزل يزين له ذلك حتى قال: الكامل يا صاحبي دنا الأصيل فسير *** غلب الفرزدق في الهجاء جريرا فغدا به عرادة على الفرزدق فأنشده إياه، وكان عبيد الرعي شاعر مضر وذا سنها، فحسب جرير أنه مغلب الفرزدق عليه، فلقيه يوم الجمعة فقال: يا أبا جندل: إني أتيتك بخبر أتاني، إني وابن عمي هذا - يعني الفرزدق - نستب صباحاً ومساء، وما عليك غلبة المغلوب ولا عليك غلبة الغالب، فإما أن تدعني وصاحبي، وإما أن تغلبني عليه، لانقطاعي إلى قيس وحطي في حبلهم. فقال له الراعي: صدقت، لا أبعدك من خير، ميعادك المربد. فصحبه جرير، فبينما هما يستخرج كل منهما مقالة صاحبه رآهما جندل بن عبيد فأقبل يركض على فرس له فضرب بغلة أبيه الراعي، وقال: مالك يراك الناس واقفاً على كلب بني كليب؟! فصرفه عنه. فقال جرير: أما والله لأثقلن رواحلك. ثم أقبل إلى منزله، فقال للحسين روايته: زد في دهن سراجك الليلة، وأعدد لوحاً ودواة. ثم أقبل على هجاء بني نمير، فلم يزل يملي حتى ورد عليه قوله: الوافر فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعباً بلغت ولا كلابا فقال: حسبك، أطفئ سراجك ونم، فرغت منه. ثم إن جريراً أتم هذه بعد، وكان يسميها الدامغة والدماغة، وكان يسمي هذه القافية المنصورة، لأنه قال قصائد فيها، كلهن أجاد فيها. وبعد أن أتمها أدخل طرف ثوبه بين رجليه ثم هدر فقال: أخزيت ابن يربوع! حتى إذا أصبح غدا ورأى الراعي في سوق الإبل، فأتاه وأنشده إياها، حتى وصل إلى قوله: أجندل ما تقول بنو نمير *** إذا ما الأير في إست أبيك غابا فقال الراعي: شراً والله تقول! علوت عليك ذروة خندفي *** ترى من دونها رتباً صعابا لنا حوض النبي وساقياه *** ومن روث النبوة والكتابا إذا غضبت عليك بنو تميم *** حسبت الناس كلهم غضابا فغض الطرف إنك من نمير ***....... البيت فقال الراعي وهو يريد نقضها: أتاني أن جحش بني كليب *** تعرض حول دجلة ثم هابا فأولى أن يظل البحر يطفو *** بحيث ينازع الماء السحابا أتاك البحر يضرب جانبيه *** أغر ترى لجريته حبابا ثم كف ورأى أن لا يجيبه. فأجاب عنه الفرزدق على روي قوله: الوافر أنا ابن العاصمين بني تميم *** إذا ما أعظم الحدثان نابا ثم إن الراعي قال لابنه: يا غلام بئس ما كسبنا قومنا. ثم قام من ساعته وقال لأصحابه: ركابكم فليس لكم هاهنا مقام، فضحكم جرير. فقال له بعض القوم: ذلك بشؤمك وشؤم ابنك. وسار إلى أهله، فلما وصل إليهم سمع عند القدوم: فغض الطرف إنك من نمير.... البيت وأقسم بالله ما بلغها إنسي، وإن لجرير لأشياعاً من الجن. فتشاءمت به بنو نمير وسبوه وسبوا ابنه. وهم يتشاءمون به إلى الآن. قال ابن رشيق في العمدة: وممن وضعه ما قيل فيه من الشعر، حتى أنكر نسبه وسقط عن رتبته، وعيب بفضيلته، بنو نمير. كانوا جمرة من جمرات العرب، إذا سئل أحدهم: ممن الرجل؟ فخم لفظه ومد صوته وقال: من بني نمير. إلى أن صنع جرير قصيدته التي هجا بها عبيد بن حصين الراعي فسهر لها طالت ليلته إلى أن قال: فغض الطرف إنك من نمير.. البيت . فأطفأ سراجه ونام، وقال: والله قد أخزيتهم آخر الدهر. فلم يرفعوا رأساً بعدها، إلا نكس بهذا البيت، حتى أن مولى لباهلة كان يرد سوق البصرة ممتاراً فيصيح به بنو نمير: يا جوذاب باهله، فقص الخبر على مواليه - وقد ضجر من ذلك - فقالوا له: إذا نبزوك فقل لهم: فغض الطرف إنك من نمير..... البيت ومر بهم بعد ذلك فنبزوه، وأراد البيت فنسيه فقال: غمض وإلا جاءك ما تكره! فكفوا عنه، ولم يعرضوا له بعدها. ومرت امرأة ببعض مجالس بني نمير، فأداموا النظر إليها فقالت: قبحكم الله يا بني نمير، ما قبلتم قول الله عز وجل: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، ولا قول الشاعر: فغض الطرف إنك من نمير..... البيت وهذه القصيدة تسميها العرب الفاضحة، وقيل سماها جرير الدماغة، تركت بني نمير بالبصرة ينتسبون إلى عامر بن صعصعة ويتجاوزون أباهم نميراً إلى أبيه، هرباً من ذكر نمير، وفراراً مما وسم به من الفضيحة والوصمة . واعلم أن جمرات العرب ثلاث: وهم بنو نمير بن عامر بن صعصعة، وبنو الحارث بن كعب، وبنو ضبة بن أد. فطفئت جمرتان وهما بنو ضبة لأنها حالفت الرباب،وبنو الحارث بن كعب لأنها حالفت مذحجاً، وبقيت نمير لم تحالف فهي على كثرتها ومنعتها. وكان الرجل منهم إذا قيل له: من أنت؟ قال: نميري، إدلالاً بنسبه، وافتخاراً بمنصبه، حتى قال جرير: فغض الطرف إنك من نمير..... البيت وكعب وكلاب ابنا ربيعة بن عامر بن صعصعة. والتجمير في كلام العرب التجميع، وإنما سموا بذلك لأنهم متوافرون في أنفسهم لم يدخلوا معهم غيرهم. وفي القاموس: الجمرة: النار المتقدة، وألف فارس، والقبيلة لا تنضم إلى أحد، والتي فيها ثلاثمائة فارس. وجمرات العرب: بنو ضبة بن أد، وبنو الحارث بن كعب، وبنو نمير بن عامر؛ وعبس، والحارث، وضبة لأن أمهم رأت في المنام أنه خرج من فرجها ثلاث جمرات، فتزوجها كعب بن عبد المدان فولدت له الحارث، وهم أشراف اليمن. ثم تزوجها بغيض بن ريث فولدت له عبساً، وهم فرسان العرب. ثم تزوجها أد فولدت له ضبة. فجمرتان في مضر، وجمرة في اليمن. وجرير ابن عطية بن الخطفى بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وجرير من الأسماء المنقولة، لأن الجرير حبل يكون في عنق الدابة والناقة من أدم، كذا في أدب الكاتب. وسمي جريراً لأن أمه كانت رأت في نومها - وهي حاملة به - أنها تلد جريراً، فكان يلتوي على عنق رجل فيخنقه، ثم في عنق آخر، ثم في عنق آخر، حتى كاد يقتل عدة من الناس، ففزعت من رؤياها وقصتها على معبر، فقال لها: إن صدقت رؤياك ولدت ولداً يكون بلاء على الناس. فلما ولدته سمته جريراً. وكان تأويل رؤياها أنه هجا ثمانين شاعراً فغلبهم كلهم إلا الفرزدق. وكانت أمه ترقصه وهو صغير وتقول: الرجز قصصت رؤياي على ذاك الرجل *** فقال لي قولاً وليت لم يقل لتلدن عضلة من العضل *** ذا منطق جزل إذا قال فصل مثل الحسام العضب ما مس فصل *** يعدل ذا الميل ولما يعتدل ينهل سماً من يعادي ويعل والخطفى لقب جده، واسمه حذيفة، مصغر حذفة، وهي الرمية بالعصا، ولقب بالخطفى لقوله: الرجز يرفعن بالليل إذا ما أسدف *** أعناق جنان وهاماً رجفا وعنقاً باقي الرسيم خطفا ويروى خطيفاً ، وهو السريع. ويكنى جريراً أبا حزرة، بفتح المهملة وسكون المعجمة، بابن كان له. والحزرة: فعله من حزرت الشيء، إذا خرصته وخمنته؛ والحزرة أيضاً: خيار المال، وحموضة اللبن. قال ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء: وكان له عشرة من الولد: فيهم ثمانية ذكور، منهم بلال وكان أفضلهم وأشعرهم.. وله عقب منهم عمارة ابن عقيل بن بلال. ومن ولد جرير: نوح وعكرمة، وكانا شاعرين أيضاً. وكان جرير من فحول شعراء الإسلام، وكان يشبه بالأعشى ميمون، وكان من أحسن الناس تشبيباً. قال الأصمعي: سمعت الحي يتحدثون عن جرير أنه قال: لولا ما شغلني من هذه الكلاب لشببت تشبيباً تحن منه العجوز إلى شبابها، حنين الناقة إلى سقبها. وكان من أشد الناس هجاء . وقد أجمع علماء الشعر على أن جريراً والفرزدق والأخطل مقدمون على سائر شعراءالإسلام، واختلفوا في أيهم أفضل، وقد حكم مروان بن أبي حفصة بين الثلاثة بقوله: الكامل ذهب الفرزدق بالفخار وإنم *** حلو الكلام ومره لجرير ولقد هجا فأمض أخطل تغلب *** وحوى اللهى بمديحه المشهور فحكم للفرزدق بالفخار، وللأخطل بالمدح والهجو، ولجرير بجميع فنون الشعر. قال المدائني: كان جرير أعق الناس لأبيه، وكان ابنه بلال أعق الناس به. فراجع جريراً بلالاً في الكلام، فقال بلال: الكاذب من ناك أمه! فأقبلت عليه وقالت له: يا عدو الله أتقول هذا لأبيك؟! قال جرير: فوالله لكأني أسمعها وأنا أقولها لأبي. ولما بلغ موت الفرزدق جريراً قال: الكامل هلك الفرزدق بعدما جدعته *** ليت الفرزدق كان عاش قليلا ثم أطرق طويلاً وبكى، فقيل له: ما أبكاك؟ قال بكيت على نفسي، والله إني لأعلم أني عن قليل لاحقه، فلقد كان نجمنا واحداً، وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقلما مات ضد وصديق إلا تبعه الآخر. ثم أنشأ يرثيه: فجعنا بحمال الديات ابن غالب *** وحامي تميم عرضها والبراجم بكيناك حدثان الفراق وإنم *** بكيناك إذا نابت أمور العظائم فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة *** ولا شد أنساع المطي الرواسم ثم لم يلبث أن مات بعد قليل باليمامة. وذكر الآدمي في المؤتلف والمختلف من اسمه جرير من الشعراء سبعة: أحدهم هذا وتوفي في سنة عشر وقيل إحدى عشرة ومائة، وعمره قد قارب التسعين. والثاني: جرير العجلي، وهو عصري الأول، وقد رد على الفرزدق. الثالث: جرير بن عبد الله، أحد بني عامر بن عقيل، فارس شاعر. والرابع: جرير بن عبد المسيح الضبعي، وهو المتلمس صاحب طرفة بن العبد. والخامس: جرير بن كليب بن نوفل، وهو إسلامي. السادس: جرير بن الغوث، أخو بني كنانة بن القين. السابع: جرير وهذا مصغر، وهو أبو مالك المدلجي. وأنشد بعده: وهو وهو من شواهد سيبويه، أنشده في باب وجوه القوافي، واستشهد به لما يلزم من إثبات الواو والياء إذا كانتا قافيتين، كما يلزم إثبات القاف في المخترق لأنها حرف الروي: وقاتم الأعماق خاوي المخترقن على أن تنوين الترنم قد يلحق الروي المقيد فيختص باسم الغالي، تبع الشارح المحقق في جعل تنوين الغالي نوعاً من تنوين الترنم لابن جني، فإنه قال في سر الصناعة: الرابع من وجوه التنوين وهو أن يلحق أواخر القوافي معاقباً لما فيه من الغنة لحرف الميم، وهو على ضربين: أحدهما أن يلحق متمماً للبناء، والآخر أن يلحق زيادة بعد استيفاء البيت جميع أجزائه، نيفاً من آخره بمنزلة الزيادة المسماة خزماً في أوله. ثم قال: وإنما زادوا هذا التنوين في هذا الموضع ونحوه بعد تمام الوزن، لأن من عادتهم أن يلحقوه فيما يحتاج إليه الوزن نحو: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلن وقوله: الحمد لله الوهوب المجزلن فلما اعتادوا فيما يكمل وزنه ألحقوه أيضاً بما هو مستغنى عنه. وهذا معنى قول الشارح: وإنما ألحق بالروي المقيد تشبيهاً له بالمطلق . وزعم ابن يعيش أن فائدة هذا التنوين التطريب والتغني. وجعله ضرباً من تنوين الترنم، وزعم أن تنوين الترنم يراد به ذلك. وهو غلط كما بينه الشارح المحقق. وقال عبد القاهر: فائدته الإيذان بأن المتكلم واقف، لأنه إذا أنشد عجلاً والقوافي ساكنة صحيحة لم يعلم أواصل هو أم واقف؟ وأنكر هذا التنوين الزجاج والسيرفي، وزعما أن رؤبة كان يزيد في أواخر الأبيات إن فلما ضعف صوته بالهمزة لسرعة الإيراد ظن السامع أنه نون، وفي هذا توهيم الرواة الثقات بمجرد الاحتمال. وقول الشارح: فيفتح ما قبل النون تشبيهاً لها بالخفيفة، ويكسر للساكنين كما في حينئذ قال ابن هشام في شرح الشواهد: والأخفش يسمي هذا التنوين غالياً، والحركة التي قبل التنوين غلواً، وهي الكسرة، لأنها الأصل في التقاء الساكنين، كقولهم يومئذ ومه. وزعم ابن الحاجب أن الأولى أن تكون الحركة قبل فتحة، كما في نحو اضربن، وأن هذا أولى من أن يقاس على يومئذ لأن ذاك له أصل في المعنى، وهو عوض من المضاف إليه. ولنا أن قياس التنوين على التنوين أولى، لاتحاد جنسهما، ولأنهما يكونان في الاسم، والنون لا تكون إلا في الفعل. ثم إن فتحة اضربن ، للتركيب كما في خمسة عشر، لا لالتقاء الساكنين. والروي هو الحرف الذي تنسب إليه القصيدة، مأخوذ من الرواء، بالكسر والمد، وهو الحبل. والمقيد: الساكن الذي ليس حرف علة. وهذا البيت مطلع قصيدة مرجزة مشهورة لرؤبة بن العجاج. وقال ابن قتيبة في أول كتاب الشعر والشعراء: حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: كان ثلاثة إخوة من بني سعد لم يأتوا الأمصار، ذهب رجزهم، يقال لهم نذير، ومنيذر ومنذر، يقال إن قصيدة رؤبة التي أولها وقاتم الأعماق لنذير. وهذه القصيدة طويلة لا فائدة في إيراد جميعها، لكن فيها بيت من شواهد التفسير ومغني اللبيب لا يتضح معناه إلا بشرح الأبيات التي قبله، فلهذا شرحت. فقوله: وقاتم الواو واو رب، وهي عاطفة لا جارة، وقاتم مجرور برب لا بالواو على الصحيح. وقد أنشد الشارح هذا البيت في رب من حروف الجر أيضاً على أن رب محذوفة بعد الواو ، وذكر أنه يجوز حذفها في الشعر بعد الواو والفاء وبل. ولم أر من قيد حذفها في الشعر وغيره. وهذا هو مذهب البصريين؛ وزعم الكوفيون والمبرد أن الجر ب الواو لا ب رب ، واستدلوا في افتتاح القصائد بها، كهذا البيت. وأجيب بجواز العطف على كلام تقدم ملفوظ به لم ينقل، ومقدم حكم له - منوياً في النفس - بحكم المنطوق به. ورد مذهبهم بوجوه أيضاً: أحدها: أنها - مع ذكر رب - عاطفة باتفاق، فكذلك مع حذفها، ولا تنقل عن ذلك إلا بدليل، والأصل عدمه. قال ابن خالويه: الواو إذا كانت في أوائل القصائد نحو وقاتم الأعماق فإنها تدل على رب فقط ولا تكون للعطف، لأنه لم يتقدم ما يعطف عليه بالواو. قال أبو علي الفارسي في نقض الهاذور: هذا شيء لم نعلم أحداً ممن حكينا قوله في ذلك ذهب إليه ولا قال به، وليس هذا الذي تظناه من الفصل بين الأوائل وغيرها بشيء، وذلك أن أوائل القصائد يدخل عليها حروف العطف على جهة الخزم، نحو ما رووا من قوله: الرجز بل ما هاج أحزاناً وشجواً قد شجا وكأنه جعله عطفاً على كلام قد كانوا يقولونه، وقصة خاضوا فيها، فعطف الشعر بحرف العطف على ذلك الكلام الذي كانوا فيه. الثاني: لو كانت الواو عوضاً من رب لما جاز ظهورها معها، لأنه لا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض عنه. الثالث: أنها لو كنت نائبة عن رب لجامعها واو العطف كما تجامعها واو القسم، كقوله: ووالله لولا تمره ما حببته الرابع: أن رب تضمر بعد الفاء وبل، ولم يقل أحد أنهما حرفا جر، فكذلك ينبغي أن يكون الحكم مع الواو. وقال الشاطبي: وفي هذه الأدلة كلها نظر، وأقربها الرابع إن ثبت الاتفاق من الفريقين على أن الفاء وبل ليستا جارتين عند حذف رب ، فإن الفرق بينهما وبين الواو فيه بعد وبعد. فهذه المسألة لا ثمرة لها في النحو، وإنما البحث فيها مظهر للمرتكب الأولى في ضبط القوانين خاصة. وإذ كان كذلك فما قاله أهل البصرة له وجه صحيح، وما قاله الآخرون كذلك. والله أعلم. وقاتم قال الأصمعي في شرح ديوان رؤبة: القتمة: الغبرة إلى الحمرة، مصدر الأقتم. وقال ابن السكيت في كتاب القلب والإبدال: ويقال أسود قاتم وقاتن، بالميم والنون، وفعله من بابي ضرب وعلم؛ وهو صفة لموصوف محذوف أي: رب بلد قاتم. والأعماق جمع عمق بفتح العين وضمها، وهو ما بعد من أطراف المفاوز؛ مستعار من عمق البئر، يقال عمقت البئر عمقاً من باب قرب، وعماقة بالفتح أيضاً: بعد قعرها. وتعديته بالهمزة والتضعيف. والخاوي من خوى المنزل، إذا خلا. والمخترق: بفتح الراء: مكان الاختراق، من الخرق بالفتح، وأصله من خرقت القميص من باب ضرب إذا قطعته، وقد استعمل في قطع المفازة فقيل خرقت الأرض، إذا جبتها. ومخترق الرياح: ممرها. مشتبه الأعلام لماع الخفق الأعلام: جمع علم، وهي الجبال التي يهتدى بها، يريد أن أعلام هذا البلد يشبه بعضها بعضاً، فتشتبه عليك الهداية. والخفق بفتح الخاء وسكون الفاء: مصدر خفق السراب وخفقت الراية، من بابي نصر وضرب، خفقاً، وخفاقاً، إذا تحركت واضطربت؛ وتحريك الفاء ضرورة. يريد أن يلمع فيه السراب. ومشتبه ولماع صفتان لقاتم. يكل وفد الريح من حيث انخرق يكل: مضارع كل - من باب ضرب - كلالة: تعب وأعيا. ويتعدى بالألف، وروي بضم الياء مضارعه أكله، ف الوافد مفعوله، وضميره المستتر راجع لقاتم، والجملة على الوجهين صفة لقاتم، إلا أن الرابط في الوجه الأول محذوف أي يكل فيه. والوفد: جمع وافد، من وفد على القوم من باب وعد وفداً ووفوداً بمعنى قدم. ووفد الريح: أولها، وهذا مثل. وقوله حيث انخرق: أي: حيث صار خرقاً، والخرق الواسع، يريد اتسع، فإذا اتسع الموضع فترت الريح، وإذا ضاق اشتد مرورها فيه. شأز بمن عوة جدب المنطلق قال أبو زيد: شئز مكاننا شأزاً: غلظ واشتد، ويقال قلق. وأشأزه: أقلقه. ومثله شأس تصرف ومعنى. وهو هنا وصف كصعب بمعنى الغليظ والشديد. وعوه بالعين المهملة: مصدره التعويه بمعنى التعريس، وهو النزول في آخر الليل. وكل من احتبس في مكان فقد عوه. والجدب بالفتح: نقيض الخصب، وهو هنا وصف كالأول؛ فإنه يقال مكان جدب وأرض جدبة، ويقال أيضاً مكان جديب وأرض جدوب، أي: بين الجدوبة فيهما. وشأز وجدب وصفان لقاتم. والمنطلق بفتح اللام: محل الانطلاق. يعني أن هذا البلد شديد على من تلبث فيه، غير خصيب على المار والسالك. ناء من التصبيح نأي المغتبق يقول: هو بعيد من أن يصبحه الراكب فيصطبح فيه ويأتيه ليلاً فيغتبق، وهو وصف لقاتم أيضاً. تبدو لنا أعلامه بعد الغرق يعني تظهر جبال بعد أن تغرق في الآل. وضمير أعلامه لقاتم. ومثله: ترى قورها يغرقن في الآل مرة *** وآونه يخرجن من غامر ضحل في قطع الآل وهبوات الدقق متعلق بالغرق قبله. قال الأصمعي: قطع الآل: غدران من الآل، جمع قطعة. والآل: قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: الفرق بين الآل والسراب: أن الآل يكون أول النهار وآخره؛ وسمي آلاً لأن الشخص هو الآل. فلما رفع الشخص قيل هذا آل قد بدا وتبين. أما السراب فهو الذي تراه نصف النهار كأنه ماء . ورد عليه ابن السيد في شرحه فقال: إنكار أن يكون الآل هو السراب من أعجب شيء يسمعه ، وذكر أبياتاً تدل على أن الآل هو السراب. والهبوة: الغبرة. والدقق: بضم الدال وفتح القاف الأولى: جمع دقة، وهو التراب الذي كسحته الريح من الأرض. خارجة أعناقها من معتنق خارجة: حال سببه من الأعلام. وأعناقه: فاعل خارجة، والضمير للأعلام. والمعتنق: مخرج أعناق الجبال من السراب. تنشطته كل مغلاة الوهق هذا جواب رب . وقد غفل عنه العيني مع أنه شرح القصيدة جميعها، فقال: وجواب وقاتم الأعماق محذوف، والتقدير ورب قاتم الأعماق إلخ قد قطعته وجبته ونحو ذلك. انتهى. وتنشطته: تجاوزته بنشاط، قال أبو حاتم: هو أن تمد يدها ثم تسرع ردها . والضمير للقاتم. وكل فاعل. والمغلاة من النوق: التي تبعد الخطو وتغلو فيه، أي: تفرط. والوهق: المباراة في السير. وقال الليث: المواهقة: المواظبة في السير ومد الأعناق، وتواهقت الركاب: تسايرت. مضبورة قرواء هرجاب فنق المضبورة: المجموعة الخلق المكتنزة. والقرواء: الطويلة القرا، بالفتح والقصر، وهو الظهر. وفي الصحاح: وناقة قرواء: طويلة السنام، ويقال الشديدة الظهر بينة القرا . والهرجاب بالكسر والجيم: الطويلة الضخمة من النوق: الفنق بضم الفاء والنون الناقة الفتية الناقة الفتية، ولا يقال لشيء من الذكور فنق، وقيل المنعمة في عيشها. وقال الأصمعي: وهي الفتية الضخمة. وهذه الكلمات الأربع صفات للمغلاة. مائرة العضدين مصلات العنق مار الشيء يمور موراً: تحرك، وجاء، وذهب. أي: يمور ضباعها لسعة الطيها وليست بكنزة فرجعهما سريع. والعضدان: بسكون الضاد مخفف من ضمها، ويروي الضبعين بفتح المعجمة وسكون الموحدة، وهو كالعضدين وزناً ومعنى. والمصلات بالكسر، ومثله الصلته بالفتح، وهي التي انحسر الشعر عن عنقها، والهجينة تكون شعراء العنق، وقيل: هي التي تنصلت في السير أي: تتقدم. مسودة الأعطاف من وسم العرق مسودة: مجرور كالمائرة والمصلات، صفات للمغلاة. يقول: قد جهدت حتى عرقت، وتراكب عليها العرق واسود حتى صار وسماً. يقال وسمه وسما وسمة، إذا أثر فيه بسمة وكي. وروى من وشم بالمعجمة، يقال: وشم يده وشماً، إذا غرزها بإبرة ثم ذر عليها النئور وهو النيل، والاسم الوشم أيضاً. إذا الدليل استاف أخلاق الطرق إذا هنا ظرف، وليست شرطية، والعامل فيها ما في كأن من معنى التشبيه. واستاف: شم، يقال ساف يسوف سوفاً إذا شم، وذلك بالليل، يشم الدليل التراب. وأخلاق الطرق: الدارس منها التي قد أخلقت، واحدها خلق بفتحتين. شبهها بالثوب الخلق لأن الاستدلال بشم التراب إنما يكون في الطرق القديمة التي كثر المشي فيها، فيوجد رائحة الأرواث والأبوال. كأنها حقباء بلقاء الزلق ضمير كأنها للناقة المغلاة. والحقباء: مؤنث الأحقب، وهو حمار الوحش سمي بذلك لبياض في حقويه. شبه الناقة بالأتان الوحشية، وهي في الجلادة والسرعة مثلها. والبلقاء: مؤنث الأبلق. والزلق: عجز الدابة، أي: المكان الذي تزلق اليد عن كفلها أبيض وأسود. وجادر الليتين مطوي الحنق في العباب: وجدر ليته، إذا بقي فيها جدر بالتحريك، أي: أثر الكدم والعض. وجادر بمعنى ذو جدر. والليت بالكسر: صفحة العنق، وهما ليتان. يقول: عضته الفحول فصار في عنقه أثر. ومطوي الحنق ، قال الأصمعي في شرحه: يقول: طوي بالحنق أي بالضمر، يقال أحنق إذا ضمر، وإبل محانيق أي: ضوامر. وفي الصحاح: حمار محنق: ضمر من كثرة الضراب. شبه الناقة - التي سلكت به هذا البلد الهائل ممره، في الوقت الذي يحار الدليل في الطرق القديمة التي لا علم بها، وذلك آية الهلاك - بالأتان الوحشية والحمار الوحشي، الموصوفين بهذه الأوصاف، وإنما خصهما بالتشبيه لكونهما أجلد الوحوش وأسرع. وجادر معطوف على حقباء. محملج أدرج إدراج الطلق هذا وصف للحمار الوحشي. والمحملج: اسم مفعول من حملج الحبل: فتله فتلاً شديداً، وأوله مهملة وآخره معجمة. وأدرج بالبناء للمفعول أيضاً بمعنى فتل وطوي. وإدراج بكسر الهمزة: مصدر تشبيهي، أي: كإدراج الطلق. والطلق: بفتحتين: قيد من جلود. وصف هذا الحمار بالضمر واكتناز الخلق، وذلك أشد لعدوه. لوح منه بعد بدن وسنق يقال: لاحه السفر ولوحه: غيره وأضمره. وضمير منه لجادر الليتين. وفاعل لوح قود ثمان في البيت الثالث بعد هذا. ومن للتبعيض. وبدن: بضم فسكون وبضمتين: السمن والاكتناز؛ تقول منه بدت الرجل بالفتح يبدن بدناً فيهما إذا ضخم، وكذلك بدن بدانة فهو بادن، وامرأة بادن أيضاً. في الصحاح: والسنق، بفتحتين: البشم، يقال شرب الفصيل حتى سنق - بالكسر - يسنق بالفتح، وهو كالتخمة . قال الأصمعي: والسنق: كراهة الطعام من كثرته على الإنسان حتى لا يشتهيه. قيل لأعرابية: أترين أحداً لا يشتهي الخبيص؟ قالت: ومن لا يشتهيه إلا من سنق منه؟! من طول تعداء الربيع في الأنق هذا علة للسنق. والأنق بفتحتين: الإعجاب بالشيء، تقول أنقب به من باب فرح، فأنا به أنق أي: معجب. وقال الأصمعي: الأنق المنظر المعجب ومنه أنيق. يعني أنه سنق من طول ما عدا في الربيع في مكان أنيق. تلويحك الضامر يطوى للسبق تلويحك: مصدر تشبيهي منصوب بلوح المذكور قبل، وهو مضاف إلى الفاعل. والضامر مفعول به. ويقول: كما تلوح أنت الفرس الضامر تريد أن تسابق عليه. ويطوى: يجوع ويضمر بالبناء للمفعول. والسبق: بفتحتين والسبقة بالضم مثله: الخطر والرهن الذي يوضع بين أهل السباق، والجمع أسباق قود ثمان مثل أمراس الأبق قود: فاعل لوح المتقدم، وهو جمع قوداء بمعنى الطويلة العنق والظهر. والأمراس: جمع مرس، وهو جمع مرسة بمعنى الحبل. والأبق: بفتح الهمزة والموحدة: القنب وقيل قشر القنب، وقال الأصمعي: هو الكتان يفتل. يقول: هذه الأتن كأنها حبال من شدة طيها. وهذه الأوصاف مما تزيد في نشاط الحمار وجريه، فإذا كانت الناقة تشبهه فلا شيء أسرع منها. فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق البلق بفتحتين والبلقة بالضم مثله، وهو سواد وبياض. والتوليع: استطالة البلق. قال الأصمعي: إذا كان في الدابة ضروب من الألوان من غير بلق فذلك التوليع، يقال برذون مولع. والملمع: الذي يكون في جسده بقع تخالف سائر لونه، فإذا كان فيه استطالة فهو مولع والبهق كما في المصباح: بياض مخالف للون الجسد وليس ببرص. وقال ابن فارس: سواد يعتري الجلد ولون يخالف لونه. وفعله من باب تعب، وهو أبهق وهي بهقاء. وجملة فيها خطوط إما صفة ثالثة لقود، وإما حال منها، والرابط الضمير. وبه علم سقوط ما نقله شارح شواهد التفسيرين خضر الموصلي، من أن الضمير راجع إما إلى بقرة يصفها كما في بعض الحواشي، وإلى أفراس كما قال جماعة، وإلى أتان كما قاله ابن دريد، مع أنه لم يتقدم ذكر شيء من بقر وأفراس. والعجب منه أنه سطر الأرجوزة برمتها ولم يتأمل مرجع الضمير. وقوله من ساد وبلق، بيان للخطوط، يريد أن بعض الخطوط من سواد بحت وبعضها من سواد يخالطه بياض، فالتقابل بين سوادين. وجملة كأنه في الجلد إلخ صفة للخطوط وللسواد والبلق، والرابط الضمير بتأويله باسم الإشارة، واسم الإشارة مؤول بالمذكور ونحوه، وإنما لم يؤول بالمذكور ابتداء لأن التأويل قد كثر في اسم الإشارة كما نقلوا عن أبي عبيدة، أنه قال لرؤبة: إن كنت أردت الخطوط فقل كأنها، وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما. فقال رؤبة: أردت كأن ذلك، ويلك! وتأويل اسم الإشارة بالمذكور إذا خالف المشار إليه جعله علماء التفسير والعربية قانوناً يرجع إليه عند الاحتياج، وخرجوا عليه آيات، منها قوله تعالى: {ذلك بما عصوا} بإفراد اسم الإشارة مع أن المشار إليه شيئان: الكفر والقتل، وأورد هذا البيت نظيراً له. وزعم ابن جني في المحتسب: أنه لو قال قائل إن الهاء في كأنه عائدة على البلق وحده لكان مصيباً، لأن في البلق ما يحتاج إليه من تشبيهه بالبهق، فلا ضرورة إلى إدخال السواد معه. انتهى. وفيه أن المحدث عنه هو الخطوط، وهي المشبهة بالبهق. فإما أن يرجع الضمير إلى المبين الذي هو المحدث عنه، وإلى البيان بتمامه، وأما إرجاعه إلى بعض البيان فيلزم تشبيه بعضه دون بعض، وهذا ليس بمقصود، بل المراد تشبيه الخطوط التي بعضها من سواد بحت وبعضها من سواد فيه بياض أيضاً، فتأمل. وروى الأصمعي كأنها أيضاً بضمير المؤنث؛ وعليها فلا إشكال. وفي هذه الأرجوزة بيت وهو: لواحق الأقراب فيها كالمقق أورده الشارح في حرف الكاف من حروف الجر على أن الكاف فيه زائدة. ونشرحه هناك إن شاء الله تعالى. ورؤبة هو أبو الجحاف بن العجاج عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر، من بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، هو وأبوه شاعران، كل منهما له ديوان رجز، وهما مجيدان فيه عارفان باللغة وحشيها وغريبها. وهو أكثر شعراً من أبيه وأفصح منه. روي أنه قال لأبيه: أنا أشعر منك لأني شاعر وابن شاعر، وأنت شاعر فقط. وقيل ليونس النحوي: من أشعر الناس؟ قال: العجاج ورؤبة. فقيل له: لم نعن الرجاز. قال: هما أشعر أهل القصيد، وإنما الشعر كلام فأجوده أشعره. قال ابن عون: ما شبهت لهجة الحسن البصري إلا بلهجة رؤبة. وحكي عن يونس بن حبيب النحوي أنه قال: كنت عند أبي عمرو بن العلاء فجاءه شبيل من عزرة الضبعي فقام إليه أبو عمرو وألقى إليه لبدة بغلته فجلس إليها، ثم أقبل عليه يحدثه فقال شبيل: يا أبا عمرو، سألت رؤبتكم عن اشتقاق اسمه فما عرفه. قال يونس: فلم أملك نفسي عند ذكر رؤبة فقلت: لعلك تظن أن معد بن عدنان أفصح منه ومن أبيه، أفتعرف أنت ما الرؤبة؟ وكررها خمساً فلم يحر جواباً وقام مغضباً؛ فقال لي أبو عمرو: هذا رجل شريف يزور مجلسنا ويقضي حقوقنا. وقد أسأت بما فعلت مما واجهته به! فقلت: لم أملك نفسي عند ذكر رؤبة، فقال: سلطت على تقويم الناس؟! وحكى المدائني قال: قدم البصرة راجز من رجاز العرب فجلس إلى حلقة فيها الشعراء، وجعل يقول: أنا أرجز العرب، أنا الذي أقول: الرجز مروان يعطي وسعيد يمنع *** مروان نبع وسعيد خروع والله أن أرجز من العجاج، فليت البصرة جمعت بيني وبينه - ورؤبة والعجاج حاضرا المجلس - فقال رؤبة لأبيه: قد أنصفك الرجل فقم إليه. فأقبل عليه وقال: هأنا العجاج وزحف إليه. قال أي العجاجين أنت! قال: ما خلتك تعني غيري، أنا عبد الله الطويل، وكان يعرف بذلك. فقال: ما عنيتك وما قصدتك، قال: كيف وقد هتفت باسمي وتمنيت أن تلقاني؟! قال: وما في الدنيا عجاج سواك؟ قال: فهذا ابني رؤبة. قال: اللهم غفراً، إنما مرادي غيركما. فضحك الناس وكفا عنه. قال ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء: قال أبو عبيدة: دخلت على رؤبة وهو يجيل جرذاناً في النار، فقلت: أتأكلها؟ قال: نعم إنها خير من دجاجكم التي تأكل العذرة، أنها تأكل البر والتمر. وكان رؤبة مقيماً بالبصرة ولحق الدولة العباسية كبيراً، ومدح المنصور وأبا مسلم. ولما ظهر بها إبراهيم بن الحسن بن علي رضي الله عنه وخرج على المنصور خاف على نفسه على الفتنة، فخرج إلى البادية فمات بها في سنة خمس وأربعين ومائة. كذا قيل، وهذا يخالف ما روي عن يعقوب قال: لقيت الخليل بن أحمد يوماً بالبصرة فقال لي: يا أبا عبد الله دفنا الشعر واللغة والفصاحة اليوم. فقلت له وكيف ذاك؟ فقال: هذا حين انصرفنا من دفن رؤبة بن العجاج. ولم أر له في ديوانه من غير الرجز إلا هذين البيتين: الخفيف أيها الشامت المعبر بالشي *** ب أقلن بالشباب افتخارا قد لبست الشباب غضاً طري *** فوجدت الشباب ثوباً معارا وبيتين آخرين وهم: الوافر إذا ما الموت أقبل قبل قوم *** أكب الحظ وانتقص العديد أرانا لا يفيق الموت عن *** كأن الموت إيانا يكيد وذكر الآدمي، في المؤتلف والمختلف ، من اسمه رؤبة ثلاثة. أحدهم هذا، والثاني: رؤبة بن العجاج بن شدقم الباهلي، وهو وأبوه شاعران، وكنية هذا أبو بيهس ومن شعره: الرجز قالت لنا وقولها أحزان *** ذروة والقول له بيان يا أبتا أرقني القذان *** فالنوم لا تطعمه العينان من وخز برغوث له أسنان *** وللبعوض فوقه دندان الدندنة: الكلام الذي لا يفهم؛ والقذان: جمع قذذ وهو البرغوث. والثالث: رؤبة بن عمرو بن ظهير الثعلبي، أحد بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض. تتمة رؤبة: اسم منقول إما رؤبة بالهمز، وهي قطعة ترأب بها الشيء، أي: تشده بها، قال صاحب أدب الكاتب في باب ما يغير من أسماء الناس: إن رؤبة بن العجاج بالهمز لا غير. وهذا الحصر باطل لأن المهموز في مثله يجوز تخفيف همزه بلا خلاف. وقد نقض قوله هذا بما ذكره في أوائل الكتاب في باب المسمين بالصفات وغيرها، فيجوز أن يكون مهموزاً وغير مهموز، فإنه قال: روبة اللبن خميرة تلقى فيه من الحامض ليروب، وروبة الليل ساعة منه، ويقال فلان لا يقوم بروبة أهله أي: بما أسندوا إليه من حوائجهم، غير مهموز. ورؤبة بالهمز، قطعة ترأب بها الشيء، وإنما سمي رؤبة بواحدة من هذه. فذر لغير المهموز ثلاثة معان، وبقي له معان أخر: رابعها روبة الفرس وهي طرقه في جمامه. خامسها يقال: أرض روبة أي: كريمة. سادسها شجر الزعرور. سابعها روبة الرجل عقله. ثامنها الفترة والكسل من كثرة شرب اللبن. تاسعها اللبن الذي فيه زبدة، والذي نزع زبده؛ فهو من الأضداد. وله معان أخر. قال ابن خلف في شرح شواهد سيبويه: قيل سمي روبة لأنه ولد نصف الليل. والله أعلم. وأنشد بعده: وهو من شواهد مغني اللبيب ، وهو
|